-لمى المديهش
عضو لجنة المحتوى
لطالما كان الإنسان بطبعه متسائلًا، وبغض النظر عن مدى اختلاف النوع والدرجة، فإنه لم يتوقف منذ العصور القديمة عن التساؤل.. لكن إنسان اليوم، مع نمط الحياة الحديثة قد تضخّمت تساؤلاته وصارت هاجسًا، حتى أنها قد تحول بينه وبين محاولات الانشغال عنها، فهو إن نجى من التساؤلات الوجوديّة، تنهش قلبه العاطفية والتي لا تقل وطأة عنها.
بينما أذكر إنسان اليوم ونمط الحياة المعاصرة -التي تزيد من تدفّق تساؤلاته- لا شك أن أحد أهمها وأكثرها إلحاحًا عليه هو: «ما المعنى؟» من الحياة، مما يفعل، أو حتى من عيشه هذه اللحظة، في هذا المكان تحديدًا..
وعلى ذكر حياة اليوم أيضًا، فإن عاطفة هذا الإنسان غالبًا ما تكون موبوءة، غير متزنة، متذبذبة فهو إما عبد لعقله دافن في المنطق قلبه، أو فارغ مائل كل الميل إليه فساقط دونه.
فالأول أوصد قلبه بأقفال عدة، والآخر فتح بابه على مصراعَيْه، وكلا الطرفين أبعد ما يكون عن إجابة التساؤل السابق، والهاجس الأكبر في البحث والوصول إلى المعنى؛ لأنه لا حياة لقلب امرئٍ لا حبّ فيه، ولا ثبات لذات مَن مكّن الآخرين من قلبه، وتنازعوا فيه حتى سلبوه إياه.
لذا فإن السبيل السليم لتحقيق الاتزان العاطفي، هو بذل الحبّ من خلال العطاء. سواءً المعنويّ كالدعاء، أو الماديّ كالتطوع، وخلاصة حديثي هذا يتمثل في قوله تعالى (…ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) =أي حاجة شديدة.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه، ما يحب لنفسه»
أن تتطوع يعني أن تبذل شيئًا من وقتك وجهدك وروحك، أن تستثمر عاطفتك بذكاء، وأن تسخّرها لغيرك مما يعود عليك حتى بالاتّزان العاطفيّ كأقل منفعة. فالله أوجد فيك فطرة البحث، عن المعنى، عن الاستثمار فيه، وسخّر في الحياة مسارات تشبع احتياجك لهذا الوصول وهذه الإجابة.. وهو عندما منحك حياة القلب هذه ما جعلها لتكون سببًا في استنزافك ببذلها لكل أحد، إنما أودع في الحياة معها سبيلاً سليمًا صحيًا لتستخدمها فيه، يرضيك ويُرضي من خلالك، ولن تجد ما يحقق لك هذا، كالتطوّع في العطاء.