-رغد الوهيد
عضو لجنة المحتوى
«التطوع هو الصورة الحية للتعاطف، يشكّلنا إحياؤه ويغيّرنا من جذورنا، يجعل منا أفرادًا أوسع إدراكًا، يقرّبنا من حقيقة تشابهنا ولو اختلفت تفاصيلنا، يُطلعنا على شكل الحياة من مكان فرد مختلف تمامًا عنا، ويؤثّر بشكل مباشر على تفكيرنا وكيف نتعايش ونعيش مع حقيقة احتياجنا إلى أن نتكامل وأن يشد بعضنا بعضًا»
تصغر بأعيننا تفاصيل كنا موقنين أنها ذات قيمة وتحمل معنى، يكسر الحواجز التي نبنيها لنقسم أنفسنا ونحدد انتماءاتنا، يكسرها جميعًا -التطوع- ليبني جدارًا واحدًا يسندنا جميعًا، يسند الإنسان. أنت في هذا المكان تخرج نفسك من شكل الحياة داخلك لتَطّلع عليها من منظور شخص مختلف، أنت هنا تلمس بشكل مباشر تنوّع الحياة، حقيقة أن الأرض مكان واسع جدًا وكل إنسان يحمل بداخله حياة خاصة، لكل إنسان شكل معاناة مختلف، وكل معاناة تحمل بداخلها قيمها الخاصة.
أعتقد أن معاناة الإنسان، -الجانب الذي نلمسه بشكل حقيقي في تجربتنا البشرية على هذه الأرض- هي أكثر الأشياء التي توقفنا -مجبرين لا مخيّرين- لنفكر بتجاربنا الخاصة وتجارب الآخرين، تجعلنا نفكر داخل أنفسنا بمبادئنا لماذا هي مبادؤنا؟ يجعلنا نتساءل بشكل أكبر وأكثر تفصيلًا عن معنى الصواب والخطأ الخاص بنا، عن كيف نتعامل مع هذه الحياة؟ وكيف شكّلتنا ظروفنا؟
التعاطف يجبرك أن تعيد تقويم هذه القيم الثابتة لما تعتقده صوابًا أو خطأ، يجبرك أن تشكل مبادئك لتكون أقرب لكيف هي الحياة بكامل تفاصيلها لك أنت في هذه اللحظة، تبدأ ترى نفسك أنها تتغيّر، أنها أصبحت أقل تعلقًا بكل ما يشكل منظورًا ضيقًا لما حولها، تلاحظ -حتى خارج هذا المكان- أنك أصبحت شخصًا مختلفًا، أصبحت في كل موقف من يومك تتعامل مع الإنسان، لا مع ظروفه ولا مع اختلافه، أصبحت هذه الانتماءات التي تفرّقنا أقل منطقية مما كانت عليه، أصبحت القناعة جزءًا أكبر منك، أصبحتَ فردًا أقل استهلاكًا لما حوله، تتبرّع بأكثر من ما تشتري، أقل تمسكًا بما تملك، حتى بتفاصيل صغيرة في حياتك ترى هذا المكان يغير من عاداتك، ترى أنك تتشكّل به وتتقرب منه أكثر، هذا المكان غيَّر أفكارك، ووجدت نفسك تتصرف تبعًا لهذه الأفكار بلا أي جهد أو مقاومة، كأنك رأيت جانبًا من الحياة لم تلمسه من قبل، لم تعايشه!
يشبه المشهد أن تقرأ الحياة بكلمات مختلفة عنك، بكلمات أعمق وأكبر وأوسع لمعنى الحياة الذي تعرفه. تقرأ كلمات عن هموم مختلفة.. عن معاناة لا تتشابه معك أبدًا، لكن تقرّبك لإنسان آخر، تقرّب لك يقينك أنك منه وهو منك، مهما اختلفت التفاصيل بينكما، يقرّبك من حقيقة أنك هنا لتتكامل معه ليعطيك أكثر مما يأخذ، ليقدّم كل فرد منكما ما لا يمكن وجوده بأي مكان آخر إلا هنا.