التصنيفات
غير مصنف

عن مدرسة تُدعى «تطوّع»

-فاطمة البوق

عضو لجنة المحتوى

حين نكتب عن التطوع فنحن نكتب عن حقل متجدد، عن مدرسة لا يغادرها طُلابها، تعطيك الأكثر كلّما وهبتها من كثيرك. كل تجربة تطوع تعلمك درسا، أو توثق فيك معنى نبيلا، وتبصّرك بوجوه الحياة كما لم تبصرها/ لم تعرفها من قبل، وتعينك على التفاني بالعطاء والإحسان.

كل عمل له نظامه الخاص، وأسلوبه المعتمد، ولفريقه السمة التي يُعرف بها.. والتطوع يهبك المرونة اللازمة للتكيف مع كل عمل، والانتقال من عمل إلى آخر، دون أن تتأثر الجودة، والكفاءة، ودون أن تشذّ عن أداء الفريق.

في التطوع.. ستنتقل من دور إلى دور، وتواجه فئات مختلفة، فتارة أنت قائد الفريق، وأخرى أنت الفرد داخل الجماعة، مرة تكون بين الشباب، وأخرى بين الكهول.
وبانتقالاتك، وأدوارك المختلفة سيكشف لك منطقة تجهلها في نفسك، منطقة تستحق الاستثمار أو العناية والإصلاح.
ستكتسب مع الأيام القدرة على تجاوز الذات -وماتراه مناسبا وماتعتنقه من أفكار وآراء- وتُطوّعها لمصلحة الفريق.
ولأنّ التطوع مبنيّ في أكثر حالاته -التي عرفتها- على وجود الجماعة، لا على العمل الفردي؛ فستعرف من خلاله الطرق الأمثل للتعامل مع الآخرين، ومراعاة الفروق بينهم، وستكتسب المهارات الاجتماعية اللازمة لحلّ كل مُشكِل تواجهه داخل الفريق، أو خارجه.
وأنت في كلّ هذا ستُفعّل الكثير من القيم العظيمة التي يُطالَب بها المسلم وتَحْسُن بها أخلاقه.

.

إنّ العمل التطوعي بحاجة إلى جهود مكثفة، واحترافية عالية، وإتقان، وتفهم للمجتمع واحتياجاته، وفقه بالواقع والأساليب الملائمة له، ومعرفة بالمهارات اللازمة للإدارة والقيادة، والتسويق، والعلاقات الواسعة الطيبة، والنباهة، واستقطاب أهل المواهب، ومخاطبة العقول والقلوب بالخطاب الذي تعيه، في الوقت الأنسب..
والكثير من المهارات التي لا يُستغنى عنها داخل أي منظومة ربحية.
فالأهداف الكبيرة بحاجة إلى عقول واعية، وأياد خادمة لا تكلّ، ومواهب تُسخّر لخدمتها، وتنّوع أفكار، وتخصصات، وابتكار متجدد للوسائل..
والتطوع لا يقوم على فضل الأوقات والأفكار، بل الأَولى أن يُخصَّص له الوقت، ويُقبَل عليه بكامل الإرادة والهمة العالية.
إن جرّبت التطوع داخل مؤسسة خصبة تضم هذا، فستدرك أنّ العمل التطوعي الثري يستخلص أفضل ما فيك، ويعينك على تربية نفسك وتزكيتها باستمرار. ثم يوجّه عقلك وعواطفك وطاقاتك داخل عمل جماعيّ، يعود عليك وعلى المجتمع بالنفع-بإذن الله-.

مع هذا قد يتوهم البعيد عن الميدان أنّ التطوع تجربة خالية من الصعاب والعثرات والأدواء!
في كل خطواتك لن تسلم من التهم تطعن في نواياك، وتسيء بك الظنّ، ولن تسلم ممن يُشخصن كل اختلاف معه ويحوله إلى خلاف. ولن تسلم من عداء كثير من المجموعات الخارجية، والأفراد، ومن العثرات التي تنصب في دروبك…
وفي كل عمل ستمتحن نفسك؛ لتبصر بها عيوبك وآفاتك التي لا يعلم بها أحد سواك.
تواجهها بالأسئلة، أو تحاصرها.. تصدقها الإجابة؛ ليستقيم حالك وحال عملك.
تفتّش فيك عن بواعثك، تستقرئ نواياك، وتشذّب رغباتك، وتنظر إلى غاياتك من كل خطوة تخطوها باسم التطوع.
تجدد نواياك، وتسأل الله أن يهبك الإخلاص في القول والعمل، ويزكّيك. إنّه على كل شيء قدير!

تعليقين على “عن مدرسة تُدعى «تطوّع»”

“مدرسة” فعلًا هو مدرسة!
عنوان جميل، وأفكار تدلّ على كاتبة متطوّعة قد جرّبته مرارًا.
شكرًا لك فاطمة، وشكرًا لاحتواء على فكرة التدوين.
بارك الله في أعمالكم وأعماركم 💜

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.